ففروا إلى الله
وكيف نفر إلى الله؟ بفعل ما يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وترك ما يبغض الله ورسوله، رأس الأمر: الانتقال من معسكر الكفر إلى الإيمان، فإذا انتقلت فقد عقدت عقدًا مع الله - تعالى - بمقتضى الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله)، بعت فيه نفسك ونفيسك لربك - تعالى - مقابل الجنة( إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.))
والجنة سلعة الله الغالية، وبمقتضى هذا العقد فإنك تأتمر بما أمرك الله به، وتنتهي عمَّا نهاك الله عنه، فتبادر إلى الطاعة وتسابق إليها: الصلاة لأول وقتها، الزكاة إذا تملكت نصابها يوم أن تبلغ حولها، الصيام بلا قول زور أو عمل
به، الحج والمبادرة إليه إن استطعت إليه سبيلاً.
وشعب الإيمان كثيرة، فَتَحَلَّ بها ولتكن من صفاتك، وتوسل بها إلى الله - تعالى- : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [المائدة: 35].
وأنت لا تدري ما يتقبل الله منك، فَرُبَّ شيء تستقلُّه يشكره الله لك ويكون سببًا من أسباب دخولك الجنة، كَبَغِيِّ بني إسرائيل التي نزعت موقها فسقت كلبًا يلهث من العطش، أو كالرجل الذي نحَّى شوكة عن طريق الناس.
ورُبَّ سيئة تستصغرها فتسوقك إلى النار، كالمرأة التي حبست الهرة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
فعليك يا عبد الله في رمضان وغيره بالصبر والصدق والإخلاص في السر والعلن، والوفاء بالعهد، والحلم والتوبة، والذكر والتواضع، والخوف من عذاب الله والطمع في رحمته وجنته، والجود والكرم، وصيانة الأعراض، وحفظ الفرج، وغض البصر، والحياء وحسن الخُلق، وإماطة الأذى عن الناس وعن طرقاتهم. والبعد عن اللغو والزور والغيبة والنميمة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون شبعة، أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان».
فإن قصَّرت طول العام فشمِّر الآن عن ساق الهمة وساعد العمل، فذاك موسم الهجرة من أسر النفس والشيطان إلى حرية الطاعة والقرب من الله، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
تابع بين الطاعة والطاعة، ولك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأسوة الحسنة، الذي أمره الله تعالى إذا انتهى من عبادة أن يشرع في عبادة جديدة: ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)) [الشرح: 7].
ولك في سلفك القدوة والمثال، قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة،
والمصحف بينهما. [سير أعلام النبلاء 3/215].
والحمد لله رب العالمين.