هل تعلم ان:
من أراد أن يعيش سعيداً وأن يموت حميداً، فليلق سلاح العداوة وليجتث من نفسه شجرة الشَّر ، ارفع رايتك البيضاء معلناً العفو والصفح وسوف تجد القلوب تشيِّعك ، والأرواح تحفُ بك ، والحب يحوطك أينما حللت وارتحلت: مَنْ سالَمَ النّاسَ يسلَمْ من غوائِلِهمْ - ونام وَهْوَ قَريرُ العَينِ جَذْلانُ ...
كن من فصيلة هابيل ، حينما أقدم على قتله أخوه قابيل فقال: «لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ» ، دع الظالم يلقى حتفه أو يسلط الله عليه أظلم منه ، واتركه للأيام والليالي ، يقول المثل الصيني : «اترك عدوك وقف على شاطئ النهر ، فسوف تشاهد جثته تمر بك» ، لا تحاول فتح ملفات العداوات ، لا تقم للناس محاكم تفتيش في صدرك ، لا تُذهب حياتك الغالية في التربص بالآخرين والاقتصاص منهم ، كل دقيقة تصرفها في عداوة ، إنما هي كأس من السم تتحساه ، سوف تجد أن الحلم والعفو أقوى سلاح أمام أعدائك ، قال الأحنف بن قيس : والله لقد نصرني الله بالحلم أعظم من نصر العشيرة، يقول أبو الطيب :
* وَأَحلُمُ عَن خِلّي وَأَعلَمُ أَنَّهُ - مَتى أَجزِهِ حِلماً عَلى الجَهلِ يَندَمِ .
* إذا سلَّ أخوك في وجهك سيفا ، فمد له وردة ، إذا بات يخطط لاستئصالك فتوجه أنت بالدعاء له أن يصلح الله قلبه ، ويطهر ضميره ، وإذا نالك خصم في مجلس بكلام بذيء سافل فاثن عليه وادعُ له ، إن منطق القرآن يخبرك أن العَظَمَة هي أن تحول العدو إلى صديق ، لا أن تحول الصديق إلى عدو «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» .
قال رجل لحكيم : غداً نتحاسب فقال له : بل غداً نتسامح ، فلا تستكثر ألف صديق ولا تستقل عدواً واحداً ولو كان ضعيفاً ، فإن البعوضة تدمي مقلة الأسد ، وإن فأراً صغيراً خرَّب سد مأرب . إن أعمارنا أقصر من أن نصرفها في القصاص والانتقام ، وإن معارك داحس والغبراء التي يقيمها الشيطان في قلوب البعض ، هي من مقررات مدرسة إبليس التي من أصولها : الظالم مهاب والمعتدي شجاع والحليم ذليل والمتسامح جبان ، ولكن مدرسة الوحي تخبرنا بأصدق من ذلك «فمن عفا وأصلح فأجره على الله» ، وفي الحديث : «صل من قطعك ، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك»،
إذا لقيت أحداً من الناس فابدأ بتصرفين جميلين : ببسمة وسلام ، فالبسمة عنوان لكتابك ، وهي دلالة على رجاحة العقل وسلامة الطبع وكرم المعشر ، والسلام عليكم ميثاق شرف وعهد وفاء معناه مصالحة لا حرب ، ومسامحة لا عداوة.
هل سمعت أن غضوباً شرساً حاداً كسب حباً أو بنى صداقة أو حاز ثناءً جميلاً ، إنما الحب الصادق والحفاوة البالغة والإجلال الكبير للسمح الحليم والجواد الكريم ، الذي جلس بحبه على عرش القلوب ، فحفَّت به الأرواح وشيَّعته النفوس ، وطوَّقته العيون ، من أراد أن يكتب تاريخاً لنفسه من البر والإحسان فعليه بمسالمة الناس ومسامحة الآخرين وكظم الغيظ والتجافي عن الزلة والصفح الجميل عن الخطأ ودفن المعايب ، فعليك أيها الإنسان السوي أن تنزع الغدد السامة من نفسك ، وأن تضع السلاح من يدك ، وأن تغمد سيف العدوان ونادي في الجميع :
* أهلاً وسهلاً والسلام عليكمو... - وتـحيةً منَّا نـزفُّ إليكمـو
* العالم سوف يكون جميلاً بلا عداوة ، والكون سوف يصبح آماناً بلا كراهية ، والأشرار وحدهم هم الذين عكَّروا صفو الحياة ، ودمَّروا بناء الإخاء ، ومزَّقوا ثوب المحبة «ويل لكل همزة لمزة» ، «همَّازٍ مشاءٍ بنميم» ، ويلٌ لكل حاقدٍ شرير من سوء الذكر وضيق الصدر ، وظلمة القبر ، وبشرى لكل كريم مفضال ، ولكل ليّن سهلٍ رفيق ، إن الرجل الفاضل يكتب تاريخه بنفسه لجميل سيرته وحسن تعامله ، فلا ينتظر شكراً من أحد ، وسوف يكون بعد موته قصة جميلة يتحدث بها الرواة في المجالس ، وتُنقل أخباره الجميلة على ألسنة البشر ، إن ألسنة الخلق أقلام الحق ، فاحذر أن تذكرك هذه الألسن بسوء أو توقّع عليك هذه الأقلام بقبيح