توافرت في الأرض منابع المعاصي .. وجادت المحافل بكل منابر الشهوات .. وفسدت الأرض بما كسبت أيدي الناس .. وكل ألف طالح من بني البشر يطارد منبوذاَ ليمثل ذاك الصلاح .. ويومياَ موارد الأرحام تجود برغوة الزبد لتملأ الأرض بخبث الأفاعي .. ومعظم الأرض ينكر الأديان وترفض الإذعان لحكم السماء .. والندرة في الصلاح وفي التسامي كندرة الألماس بين الركام .. والعين لا ترى حينما ترى إلا الحرام ولا ترى نعمة الحلال .. والآذان لا تسمع حين تسمع إلا قول الهوى وأنغام الضلال .. ورسائل الفحش تجتاح المدائن والبوادي وتدخل الديار عبر الأثير بغير استئذان .. وحصادها ثمار الفساد تأكلها الأجيال دون رادع يمنع الأدران .. والناس في غفلة تكمل اليوم وتنتظر الغد بهـوان .. وأمة الإسلام تهاونت في صد أنواع البلاء .. ونامت ولا ترى منابع الفساد تتدفق كالبحار من كل الأرجاء .. فهي كانت خير أمة عندما كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء .. واليوم نراها وقد مالت لأهل الهوى وتركض خلفهم بغباء .. والذمم مسئولة يوماَ فالكل راع ومسئول عن الرعاء .. ومواقع الإباحية هي مدمرة للأخلاق تجتاح الديار وأهلها نيام .. والأعجب أن ثمار المعاصي دانية قطوفها .. متاحة مرتاحة ترد البيوت دون بحث أو عناء .. ومنابر الفضائل والصلاح هي تلك العزيزة التي لا تغادر أوكارها ولا يقصدها إلا مجتهد ذو حظ عظيم .. زمن توفرت فيه أوحال المعاصي وندرت فيه القيم والأخلاقيات .. من يريد العبادة لله حقاَ يجد المشقة في كل خطوة حتى يتقي الله حق تقاته .. فالعيون تقاوم حتى تعف في كل لحظة .. والآذان تجادل حتى تمنع غثاء الأسمتاع ثم تتقي .. والحضرة مليئة بنواقض الشرع من كبائر الإثم والفواحش ناهيك عن اللمم .. فكيف للإنسان أن يتقي ويلتقي بالفضائل وهـي قد ندرت في الساحات ؟؟ .. والقابض على دينه اليوم هو كالقابض على الجمر .. ومن كل ألف يجوب الشوارع نرى قلة ترتاد المساجد .. وتلك وصمة تنم بالآلام وتقطع الأكباد بالأحزان .. فكم كانت السعادة لو أن بيوت الله تشتكي من الزحام والشوارع تشتكي من الندرة .. ولكن ليس التسامي بالأحلام والتمني .. إنما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموبقات ثم الدعاء بالفرج .. والكل يوماً سوف يسأل عن ما قدم وأخر .. الراعي وغير الراعي .. الإمام وغير الإمام .. الموكول وغير الموكول .. المعلم وغير المعلم .. والأب والأم والأسرة .. فكيف تركناها عايره بغير ضوابط أو زجر أو نهي أو عقاب .. وكيف تناسينا الأمر وكأن شيئاَ لم يكن ؟؟ !! .. ثم نشتكي بعد ذلك من الضنك في المعيشة .. ونشتكي من كثرة المعاناة في شئون المسلمين .