أرض العروبة .. المساحة الطيبة التي باتت تحت مخالب النهش ليلاَ ونهاراَ .. وتـلك معالم الحزن والشقاق في كل بقعة فيها .. وهي أرض عزيزة وغالية حيث هي الركيزة والمهد المتسامي لعقيدة الدين الإسلامي ثم لأديان أهل الكتب السماوية .. وكل شبر في أرض العروبة يمثل المضغة المكنونة في أحـداق العيون .. واليوم لا تخلو ساحة دون أن تشتكي الويلات والشتات .. نفره عجيـبة من هجمـات شرسة وانقسامات في دواخلها .. ونعرات الفتن الجماعية والعنصرية والفئوية والطائفية هنا وهناك .. وكل دولة في أرض العروبة اليوم تشتكي ولها نصيبها من الفتن الداخلية والخارجية .. وبعض تلك الفتن عويصة وقاتلة وبعضها في الحد المعقـول .. ولو أن ظاهرة الشتات والفتن ومطالب الأقليات انحصرت في دولة أو دولتين فقط لهـان الأمـر .. ولكان باقي الدول في هدوء وسلام لتتمكن من ملاحقة ومعالجة الأحداث بمقدرة كبيرة .. إلا أن الظاهرة منتشرة كوباء السرطان في كل بقعة من أرض العروبة إلا ما ندر .. ونفتح صفحة أية دولة عربية فنجد فيها نوعاَ من النزاعات الداخلية العميقة .. قضايا أقليات وقضايا سلطة وقضايا أطماع .. وكل دولة تشتكي من علتها وتعاني في ناحية من النواحي .. والكيد مخطط بطريقة متعمدة بأيدي خارجية وداخلية خبيثة .. ولكن الأداء والتنفيذ الآن تقوم بها أيـدي أبنـاء العروبة نفسها .. فهي تساهم في تشتيت وتقسيم أرض العروبة من دواخلها .. فهناك حروب التمزق بمسمى الأقليات والأكثريات .. وهنا حروب التفرقة بمسمى الطائفية والشمولية .. وهناك حروب التشتت بمسميات الاتجاهات العقائدية والفكرية .. وهناك حروب التمزق بمسميات الجنوب والشمال .. وهناك حروب الفتن الكبرى بمسميات المذاهب الدينية .. وهناك حروب الأعداء حيث تهميش القضية العادلة الكبرى .. وحيث الابتعاد عن قضية الأراضي المحتلة .. وهناك المزيد من الأطماع في أراضي المنطقة .. وفي الدولة الواحدة نجد الكثير من صراعات التفرقة بين أفراد الأمة الواحدة .. ومنها صراعات السلطة وصراعات التهيمن .. والأقليات بمسمياتها .. الأقليات الدينية .. الأقليات المذهبية .. الأقليات العرقية .. الأقليات الطائفية .. وفي كل قضايا الأقليات نجد تلك الصحوة القوية التي أطلت فجأة في العالم لتكون الشعار الأول في إشعال الفتن بين أفراد المجتمعات والذين عاشوا مئات بل آلاف السنين متفاهمين وكل يوجد السعة للآخر .. والآن تلك أصبحت تشكل نافذة متاحة يدخل منها الأعداء لإشعال المزيد من الأحقاد بين الأكثريات والأقليات .. ومهما كانت الأسباب فإن الخريطة المقبلة لأرض العروبة ليست في نطاق التفاؤل بأي حال من الأحوال .. ثم أن المحصلة الكبرى في زلزال الربيع العربي أوجدت المزيد والمزيد من الهزات الارتدادية في دواخل دول الربيع العربي نفسها .. وما زالت تتوالى تلك الهزات .. والمصير برمته في كف الأقـدار .. والدول خارج مسارح الربيع العربي ليست بتلك الثابتة الهانئة بل كل دولة تشتكي في ناحية من القضايا الداخلية القاتلة .. وفي كل تلك المعمعة العويصة لا نجد القمم العربية واعية بالقدر الكافي لمواجهة مخططات التقسيم والشتات .. ولكنها تجاري الأحداث بالمساهمة الفعالة حيث الولاء لجانب من التكتلات والمعسكرات .. والتي تعني المزيد من الشتات والانقسام .. تلك الظاهرة المشئومة التي لحقت حتى قمم الأهرامات نفسها .. وتلك مصيبة كبرى لأن الوقفة تحتاج لعقول مدركة عالية توازي مقدرة المخططات الخبيثة نفسها .. فمن هو ذلك الواعي القدير الذي ينظر لبلاد العروبة بالنظرة الشمولية الواعية .. تلك النظرة العاقلة البعيدة عن صغائر التشرذم والتقوقع .. ننظر في كل الاتجاهات في بلاد العروبة ولا نحس بتواجد ذلك الزعيم الذي ينادي اليوم بالصوت العالي ( يـا بلاد العرب ) ولكن مع الأسف الشديد نجـد الرموز الضعيفة هنا وهناك وكل ينادي ( يا دولتي ) . وتلك محنة أمة تغرق في غياب العقول الكبيرة والواعية .. وحسبنا الله ونعم الوكيل .