الذهب والألماس وكل النفائس يشتكي المعاناة في هذا العصر .. والشكوى ليست لعيب في الجواهر والبواطن والخصائص .. إنما الشكوى في المكائد والمحاسد والمظنات .. وهذا العصر يصول فيه إنسان الغدر الذي لا يريد الجمال جمالاَ .. ولا يريد الصفاء صفاءَ .. ولا يريد صفحة السماء صافية نقية بغير غيوم تعربد بالشك والظنون .. البعض من إنسان هذا العصر هو ذلك القادم من أرحام الكيد والفتن .. اللوحة الجميلة تورقه وتذهب النوم عن أجفانـه .. والنهر الصافي المتدفق بالخيرات يبكيه لأن النهر يتوسم بالإخلاص والعطاء .. ذلك البعض الذي لا تطرق الراحة وجدانه إلا في ظلال الإشهار بالآخرين حقداَ وكراهيةَ وحسداَ .. والشعوب لها إرث من عاداتها وتقاليدها وأخلاقياتها .. فنرى صفة جميلة أو صفات متلاحقة من الكماليات والأخلاقيات لشعب من الشعوب .. فإذا قيلت تلك الصفة المحببة أشارت البنان لذاك الشعب .. وإذا ضرب المثل عن عادة من العادات الفاضلة فهناك شعب من الشعوب يحتكر تلك الصفة الفاضلة فيكون هو العنوان .. ولكن في الناس من تغلي دواخله بالغل والحسد فيتعمد أن يشوه تلك الصورة الجميلة بالطعن في سيرة الشعوب الفاضلة .. فهو يرى نفسه لا ينتمي لزاوية من زوايا المحاسن والجمال والكماليات التي تجبر البنان بالإشارة .. فيجد نفسه في هامش من هوامش الزمن نكرة بكل القياسات .. وعليه نفسه لا تقبل تلك الحقيقة المشوبة بطعم الحنظل فيتعمد في أذية سمعة الآخرين .. ومن أرحام غله الدفين يبدأ في تصدير سواقط النعوت ليلصقها في الآخرين .. فهو يبحث عن صفات التشويه الدنيئة فلا يجد تلك الصفات متوفرة لدى الآخرين ولكنها متوفرة لديه في مستودعاته .. ومن تلك المستودعات الهابطة يأخذ الرصيد ثم يبدأ في توزيع النعـوت على الآخرين .. فإذن هو يصدر صفاته القذرة لتشويه صورة الآخر المتوسم بجمال الصفات .. وهو دائماَ ذلك الخائب الذي لا ينال المراد .. فالذهب والألماس والجواهر الكريمة تملك صفة الأصالة التي لا تقبل المساس بأي حال من الأحوال .. وخاصة إذا جرى المساس من ناقص يشتكي محنة الدونية .. ومقامات الشعوب الراقية لا تنحي للسواقط .. بل دائماَ تحت أقدامها تدوس ما يستحق المعاملة بالمداس .. فهناك بين الناس بشر لا يطيب لها المقام إلا في ظل الإحساس بالمهانة والمذلة والدوس تحت الأقدام .. وهناك شعوب بجمال أخلاقها وحسن سيرتها تضع نفسها في مراتب عليا خالية من سفاسف الأمور .. وخالية من توافه السيرة .. فهي تحترم ذاتها لتنال احترام الآخرين .. ولذلك فالشعوب معادن فهناك الشعوب الأصيلة التي عبرت أبواب الحضارات العريقة منذ آلاف السنين ثم رضعت وفطمت من أثـداء الأمجـاد .. وهناك شعوب ما زالت فيما بعد عصر الكهوف والحجارة .. بعيدة عن المعاني السامية .. ولا تفرق بين الفحم وبين الألماس .. وبالرغم أن الأساس هو الأساس .. أي أنه مازال طازج الخامة في مهد الجهالة ودرك الأوزان .. والذم والتشويه منه لا يأخـذ من مقدار الألماس .. والمدح والتشهير منه لا يزيد في المقدار بل قد يمس المقدار بنوع من الإنقاص والإحباط .. فهم يمثلون وجـه العملة الذي يكمل الجانب المناقض .. فهناك شعوب الأخلاق والتسامي يعادلها في وجه العملة الآخر شعوب العددية الهامشية التي هي فقط مجرد أرقام للتعداد السكاني لا تضر ولا تنفع البشرية في شـئ .